سورة البلد - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البلد)


        


{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)}
{لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِى كَبَدٍ} أي في تعب ومشكقة فإنه لا يزال يقاسي فنون الشداد من وقت نفخ لروح إلى حين نزعها وما وراءه يقال كبد الرجل كبدًا فهو أكبد إذا وجعته كبده وانفتخت فاتسع فيه حتى استعمل في كل تعب ومشقة ومنه اشتقت المكابدة لمقاساة الشداد كما قيل كبته عنى أهلكه وأصله كبده إذا أصاب كبده قال لبيد يرثي أخاه.
يا عين هل بكيت أربد إذ *** قمنا وقام الخضوم في كبد
أي في شدة الأمر وصعوبة الخطب وعن ابن عمر يكابد الشكر على السراء ويكابد الصبر على الضراء وعن ابن عباس وعبد الله بن شداد وأبي صالح والضحاك ومجاهد أنهم قالوا أي خلقناه منتصب القامة واقفًا ولم نجعله منكبًا على وجهه وقال ابن كيسان أي منتصبًا رأسه في بطن أمه فإذاأدن له في الخروج قلب رأسه إلى قدمي أمه وهذه الأقوال كلها ضعيفة لا يعول عليها بخلاف الأول وقد رواه الحاكم وصححه وجماعة عن ابن عباس وروى عن غير واحد من السلف نعم جوز أن يكون المعنى لقد خلفناه في مرض شاق وهو مرض القلب وفساد الباطن وهذا بناء على الوجه الثالث من الأوجه الأربعة السابقة في قوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد وَأَنتَ حِلٌّ بهذا *البلد} [البلد: 1، 2] المراد بالإنسان عليه الذين علم الله تعالى منهم حين خلقهم أنهم لا يؤمنون ولا يعملون الصالحات والظاهر أن المراد على ما عداه جنس الإنسان مطلقًا وقال ابن زيد المراد بالإنسان آدم عليه السلام وبالكبد السماء وشاع في وسط السماء كالكبيداء والكبيداة والكبداء والكبد بفتح فسكون وليس بشيء أصلًا والضمير في قوله تعالى:


{أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)}
{أَيَحْسَبُ} على ما عدا ذلك راجع إلى ما دل عليه السياق ممن يكابد منه صلى الله عليه وسلم ما يكابد من كفار قريش وينتهك حرمة البيت وحرمته عليه الصلاة والسلام وعليه للإنسان والتهديد مصروف لمن يستحقه وقيل على إرادة البعض هو أبو الأشد أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد القوة مغترًا بقوته وكان يبسط له الأديم العكاظي فيقوم عليه ويقول من أزالني عنه فله كذا فيجذبه عشرة فينقطع قطعًا ويبقى موضع قدميه وقيل عمرو بن عبدود وقيل الوليد بن المغيرة وقيل أبو جعل بن هشام وقيل الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ويجوز أن يكون كل من هؤلاء سبب النزول فلا تغفل وجعل عصام الدين الاستفهام للتعجيب على معنى أيظن {أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي على الانتقام منه ومكافأته بما هو عليه {أَحَدٌ} مع أنه لا يتخلص من المكابدة ومقاساة الشدائد وإن مخففة من الثقيلة ولعل في ذلك إدماج عدم الايمان بالقيامة.


{يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6)}
{يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا} أي كثيرًا من تلبد الشيء إذا اجتمع أي يقول ذلك وقت الاغترار فخرًا ومباهاة وتعظمًا على المؤمنين وأراد بذلك ما أنفقه رياء وسمعة وعبر عن الانفاق بالإهلاك إظهارًا لعدم الاكتراث وأنه لم يفعل ذلك رجاء نفه فكأنه جعل المال الكثيرة ضائعًا وقيل يقول ذلك إظهارًا لشدة عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم مريدًا بالمال ما أنفقه في معاداته عليه الصلاة والسلام وقيل يقول ذلك إيذاء له عليه الصلاة والسلام فعن مقاتل أن الحرث بن نوفل كان إذا أذنب استفتى الرسول صلى الله عليه وسلم فيأمره عليه الصلاة والسلام بالكفارة فقال لقد أهلكت مالًا لبدًا في الكفارات والتبعات منذ أطعت محمدًا صلى الله عليه وسلم وقيل المراد ما تقدم أولًا إلا أن هذا القول وقت الانتقام منه وذلك يوم القيامة والتعبير عن الانفاق بالإهلاك لما أنه لم ينفعه يومئذ وقرأ أبو جعفر لبدًا بشد الباء وعنه وعن زيد بن علي لبدًا بسكون الباء وقرأ مجاهد وابن أبي الزنا لبدًا بضم اللام والباء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7